إن موضوع الرقية الشرعية وعلاقته بعالم الجن والشياطين ، من الأمور التي حددها الشرع وبينتها العقيدة ، فوضعت لها الأطر والضوابط التي تضبطها ، ونتيجة للتخبط الحاصل لدى الكثيرين في فهم هذا المجال ، كانت هذه الرسالة لكل باحث عن الرقية الشرعية من الكتاب والسنة ، للاستشفاء من أمر قدر عليه من الأمراض التي تصيب النفس البشرية ، وقد تم التركيز من خلالها على الأمور التي تهم المسلمين وتنفعهم ، ولم تتعرض الدراسة للتعريفات العامة لتلك الأمراض من سحر وعين وحسد ونحوه بشكل دقيق ومفصل ، فقد تكلم فيها كثير من أهل العلم بشرح وإسهاب ، والكتب في ذلك كثيرة جدا ، وتلفت الدراسة الأنظار إلى ما يمس عقيدة المسلم من انحرافات وتجاوزات تخالف الأسس والثوابت في العقيدة الصحيحة 0 وفيها ترسيخ لبعض أصول العقيدة المتعلقة بهذا الموضوع ، إضافة إلى طريقة العلاج التي تستند إلى الكتاب والسنة والأثر ، أو أسباب حسية مباحة أثبتت التجربة نفعها بإذن الله تعالى وأقر فعلها العلماء حفظهم الله 0
ومن الأمور التي لا بد أن تترسخ في ذهن القارئ الكريم قبل البحث والدراسة ، أمر في غاية الأهمية وهو أن التشريعات الإلهية أمانة عظيمة ، نحن مكلفون بحفظها ، والذود عنها وإظهارها على حقيقتها التي جاءت عليها دون زيادة أو نقصان ، وقد بين الحق جل وعلا هذا المفهوم في محكم كتابه قائلا : ( إِنَّا عَرَضْنَا الأمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الإنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولا ) ( سورة الأحزاب – الآية 72 ) 0 وحمل أعباء هذه الأمانة بمستلزماتها ومتطلباتها أمر ليس سهلا بل يحتاج إلى جهاد وتضحية وبذل للغالي والنفيس في سبيل هذا الدين وتلك الرسالة 0 ولا بد للمسلم من مواجهة الصراع والتحدي بكافة الأشكال والسبل والوسائل ، كما ثبت في الصحيح عن أنس - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( حفت الجنة بالمكاره ، وحفت النار بالشهوات ) ( صحيح الجامع 3147 ) 0
ومن الثمار العظيمة لحمل أمانة الدعوة وتبليغها وإيصال رسالتها ، الفوز والنجاة في الدنيا والآخرة ، ولن يكون ذلك إلا بالتمسك بأهداب الشريعة ، والسير بخطاها ، كما ثبت في الأحاديث الصحيحة 0
وبما أن الرقية من الأمور المتعلقة بالعقيدة ، فلا بد أن تكون موافقة للمنهج الرباني في طريقتها واستدلالاتها وتطبيقاتها ، يحكمها الشرع ، فيقودها ويوجهها ، يقول تعالى في محكم كتابه : ( وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ ) ( سورة النحل – الآية 44 ) ، ويقول تعالى : ( وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ 000 ) ( سورة الأنعام – الآية 153 ) ، والانحراف عن منهج الكتاب والسنة في المسائل الإعتقادية المتعلقة بالرقية الشرعية يحبط العمل ، ويؤدي للشقاء في الدنيا والآخرة ، ومن الأمور التي قد تفشت في المجتمعات الإسلامية بخصوص ذلك الابتداع في طريقة الرقية ، وتعليق التمائم الشركية ، والذهاب للسحرة والمشعوذين والكهنة والعرافين وغير ذلك من أمور كفرية أو شركية ، وقد أخبر الحق جل وعلا عن ذلك في محكم كتابه قائلا : ( وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكرى فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى ) ( سورة طه – الآية 124 ) ، وهذا ما سوف يتضح في ثنايا هذا البحث 0
ولذا كان واجبا شرعيا وأمانة ، لكل من يقرأ الكتاب ، أن يقوم بإيضاح الطريق القويم للرقية الشرعية ، وأن يقدم جل ما يستطيع لهذه الدعوة ، وبخاصة ما يتعلق بأمور العقيدة وأساسياتها وثوابتها ، فرب مبلغ أوعى من سامع ، فقد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من حديث ابن مسعود – رضي الله عنه – قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( نضر الله امرأً سمع منا شيئا ، فبلغه كما سمعه ، فرب مبلغ أوعى من سامع ) ( صحيح الجامع 6764
منقول للإفادة